نورهـــان كاهنــــة تكتب:
يبدو أنّ الطريق إلى قرطاج واعرٌ وأنّ حنين "بعل" إلى العرش لم يعُد يطاق فأعلن حربه قبل موفى العام. يبدو أنّ انتخابات الجمهوريّة الثانية ستكون تنافسيّة إلى أبعد الحدود حتّى أنّ الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التّي نعيشُ على وقعها اليوم ليست إلاّ حملات انتخابيّة سابقة للأوان.
أزمـــــات مصطنعـــة
إضرابٌ عام ثلاثة أيّام بعد الذّكرى الثامنة للثّورة التونسيّة وأحزابٌ سياسيّة مُساندة له وأخرى "تتأسّف" عن عدم لملمة صراع المنظّمة الشغيلة والحكومة في اتفاق يُجنّب البلاد خُطوة عرجاء، مدارسٌ بلا دروسٍ والشّارع يستقبلُ وُفودًا تَلمذيّة تتأفّفُ عامًا دراسيّا بات مجهول المصير، أزمة اقتصاديّة خانقة أبرزُ ملامحها التراجعات المستمرّة في القيمة النقديّة للدّينار التّونسي فضلا عن أزمة إنتاج أو احتكار لبعض المنتجات والموادّ الغذائيّة الأساسيّة.
كلّ هذه الأحداث ليست إلّا حلقة من سلسلة أزمات مُصطنعة تُجمّر وتُستخدمُ حسب المصالح والشّهوات السياسيّة، كتلك العمليّات "الارهابيّة" المتكرّرة قصد إلهاء الشّعب عن مخارج عمليّات صُنع القرارات السياسيّة أو إخماد فتيل التحرّكات الاجتماعيّة المُعارضة للسياسات المُتّبعة أو أيضا حربُ السّلطة العُليا على وليدتها، أي الحكومة، بعد إقرار رئيسها، يوسف الشّاهد، إمكانيّة ترشّحه لخوض سباق الانتخابات الرئاسيّة -المنتظر إجرائها في أكتوبر المقبل- وما واكبها من صراعات بين الشّيخين الباجي قائد السّبسي وراشد الغنّوشي بشأن تسيير البلاد بعد "ثورة الشّباب" أثرُها ندائيّون يُغادرون بطن الحوت، تحالفات وصراعات، ملفّات فساد تُفتحُ وأحكام براءة تُنفّذ، أصواتٌ تُحرّر وأخرى تُلجمُ، مؤسّسات اعلاميّة تدخلُ الحرب ويحتارُ الرأيُ إن كانت –فعلا- فاعل أم مفعول به تهيئا لحرب يشّنها "بعل" للظفر بقرطاج.
ثوب "بعل" العجيب ؟
هذه الكواليس بات من المؤكّد ،إذن، أنّها ليست جديدة لكنّها فقط متجدّدة: فقبل كلّ استحقاق انتخابيّ تعيشُ على وقعه البلاد يُشمّر الكلّ على ساعديه وينطلقُ في حياكة "ثوب الامبراطور العجيب" لمُنافسه حتّى إذا ارتداه كُشف مستوره وبانت كلّ عيوبه: ولعلّ صافرة البداية كانت مع موجة انتقادات عاتية لحركة النّهضة ورئيسها، راشد الغنّوشي، عقب مؤتمر صحفي نظّمته هيئة الدّفاع عن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، في مطلع أكتوبر الماضي، اُثيرت معه عدّة تحقيقات وطفت -على إثره- حقائق على السّطح تُفيد تورّط حركة النّهضة في حادثة اغتيال السّياسيَين اليساريّين عبر إشرافها على إرساء جناح أمني سرّي يقفُ وراء الاغتيالات السياسيّة والأحداث الإرهابيّة.
وبالرّغم من أنّ حركة النّهضة لم تُعلن إلى حدود هذه السّاعة عن نيّة ترشّحها لخوض الانتخابات الرئاسيّة إلّا أنّ هذا الملّف لم يُثار في هذا التوقيت عبثا، بل هي خُطوة متعمّدة من الجبهة الشعبيّة لوصم حركة النّهضة بجرائم قد تُزيحها من موقعها في اللعبة السّياسية.
أمّا ثوبُ رئاسة الحكومة العجيب فإنّه -كثوب حركة النهضة- يُحاك بدوره بإتقان منذُ أن تأكّدت نيّة، يُوسف الشّاهد، في توسيع إمبراطوريّته من القصبة إلى قرطاج. هذا "الجشع" الحكومي حوّل رئاسة الجمهوريّة، الباجي قائد السّبسي، الذّي تأكدّت نيّته في الترشّح لفترة رئاسيّة ثانيّة، إلى أكبر مُعارضي الحكومة ووزارئها، ليقُود حربا شنّها حزبه الأصلي، نداء تونس، على "الإبن البار" بعد تعنّته.
حربُ الرئاسة على الحكومة لم تنته بعد حتّى أنّها توسّعت لتضمّ بعض المنظّمات النقابيّة كالإتّحاد العامّ التّونسي للشغل، الذّي دخل -من موقعه- في صراع مع الحكومة اعتلى –من خلاله- على أهدافه كمنظّمة تُعنى بالدّفاع على حقوق الفئات "الشغّيلة" إلى الوُقوف في صفّ مُعارضي الحكومة "لتقليم أظافرها" والمناداة بالإطاحة بها وترحيلها -في المسيرة العماليّة المساندة للإضراب العام الذّي انتظم في 17 جانفي الجاري- وذلك بدل التشديد على التفاوض معها قصد الوصول إلى اتفاق يتماشى مع مصلحة الطرفيّن، أي مصلحة البلاد، لكنّ الاتّفاق مُستبعدٌ في خضم هذه اللّعبة السياسيّة التّي صعُب تحكيمها على شعبٍ تواطأت كلّ الأطراف لتضليله.
تسارُع وتيرة الأحداث وتهاطُل الأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والاجتماعيّة -بنسق غير مسبوق- منذُ مطلع العام الفارط مرورا بالانتخابات البلديّة إلى اليوم هُو فعلٌ مُمنهج من الطبقة السياسيّة التّي ستخوض في الأشهر القليلة المُقبلة سباق الانتخابات الرئاسيّة للجمهوريّة الثانيّة التّي سيختارُ فيها الشّعب من يرى أنّه الأجدر ليكون "بعل" قرطاج أو رُبّما من لن يكون ثوبهُ العجيب شفّافا بما يكفي للإطاحة به من الكرسيّ.