19 Jun
19Jun


 نـــورهـــان كـاهـنــــة تكتب:

ألف وثلاثمائة وسبعون سنة وسنة مرّت على تدشين أوّل مسجد جامع في إفريقيّة ليكون قبلة المسلمين الأوائل ومركز تعبّدهم. "جامع الأربعين" ومنذ تأسيسه سنة 647 ميلادي شكلّ نقطة انطلاقة التّاريخ الإسلامي في الجغرافيا التّونسية لكنّه يشهد اليوم –ومنذ الماضي القريب- تهميشا متواصلا يسرقُ من أحجاره قيمتها ومن تاريخه أثاره.

أ للعبث يُنسى التّاريخ قصدا؟ 

هذا المعلم الدينيّ التاريخيّ لم تُعره لا وزارة الشؤون الثقافيّة اهتماما ولم يُصنّفه المعهد الوطني للتّراث ضمن خارطة المعالم التّاريخيّة أو الأثريّة المُصانة لكنّه كالتّاريخ يقف شامخا على قارعة طريق في منطقة بئر الطيّب –من ولاية المنستير- ويحضن الأرض مقاومة للإندثار بعد أن امتدّت نحوه أيادي السّلطة البائدة سنة 2009 بحجّة الترميم فسلبت من أثاره وأحجاره الكثير وإغتالت روحه ثمّ اختفت وأبى هو أن يختفي ليبقى أثرا ورمزا لجهة يأمل أبنائها في أن تشعّ أنواره ويصدح جوقه " حيّ على الفلاح " ليُعلن نصرة مسجدهم على نكرة التّاريخ.



كيف لدولة أن تتجاهل تاريخها وتمركزه في صحن جامع عقبة بن نافع بالقيروان أو ردهة جامع الزّيتونة غاضّة بصرها عن تاريخ مسجد مسّه الضّرر منذُ غادرته أقدام المصليّن بعد إحدى صلوات الجمعة من سنة 1953 فشُوّه تاريخه كما تُشوّه اليوم آثاره!  آثار ورثها الجامع عن ثقافات متعدّدة تتالت على تونس ورسّخت بصمتها في المسجد بعد أن كان عبد اللّه بن الزبير سبّاقا بوضعه حجر أساسه سنة 647 ميلادي تاريخ الفتح الإسلامي لمدينة سوسة إثر فتح مدينة سبيطلة بسيوف العبادلة السّبعة وإعدام قائد إفريقيّة الرّومي جيرجيروس بعد معارك شرسة دامت لأيّام.

هذا المسجد كان ليكون وجهة سياحيّة لروّاد التّاريخ ومُستكشفيه كما وجهة لمختلف التّونسيين في المناسبات الدّينيّة ومسرحا لعباداتهم وكان ليدرّ بعائدات ماليّة هامّة –كغيره من المعالم الأثريّة أو الدّينيّة الأخرى- تُخلّص الدّولة من عبء مسؤوليّة تنمية جهة بأكملها كما يعزّز التّرسانة الأثريّة لتونس ويؤثّث خارطتها الحضاريّة فقط لو أحسنت إستثماره وتكفّلت بصيانته وحمايته من مدّنسات التّاريخ.  

هذا التّاريخ أضاعته صفحات الكتب ليبقى حبيس جدران المسجد الحجريّة وشبابيكه الحديديّة وبعض قطع الآجر التّي اُحيطت به فشوّهت منظره بعد أن سُلب داخله من قطع تاريخيّة و أثريّة نادرة تفطنّت لها ولندرتها وقيمتها عصابات الاتّجار بالأثار فسلبتها، ولا عزاء لدولة لا تدرك قيمة ما ورثته من التّاريخ.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة