30 Jun
30Jun


نـــورهــــان كـاهنـــــة تكتب: 

لعلّنا خسرنا المعركة فعلا لكنّه بات من المؤكّد أنّنا لم نخسر الحرب، فالوطن علا فوق علاه ورايته لم تتنازل عن رفعها أيادي كما أكتاف المحبّين الذّين تجمّعوا وتمردّوا فباتت روسيّة إيالة تونسيّة في لحظات من الزمن. قُل كيف لنا أن نخسر الحرب وقد أشهرت جماهيرنا من الأسلحة أشدّها فتكا ودمارا " الثقافة " ولئن خسرنا فإنّ بالرّغم من خسارتنا لم نخسر وإن عُدنا فإنّ صدانا باقٍ هناك.

ثمانية عشر ألف محبّ إلى بلاد الرّوس شدّوا الرّحال، زادهم راية بنجمها الأحمر والهلال وشاشيّة صُبغت بذات لونها وجبّة تقليديّة تفانت الأيادي في نسجها، دنقري شعبي زادت من رونقه كوفيّة فلسطينيّة فوق الكتفين ومظلّة لا شكّ في أنّ سعفها استمدّ من نخلة شامخة في إحدى واحات الوطن، وطن تجمّعوا لأجله فنادوا باسمه، غنّوا له وتغنّوا به في شوارع فولغوغراد كما في ساحات بطرسبورغ وسارانسك حتّى حسبنا الأرض أرضنا والرّوس هم الزّائرون.

من كــلّ الأوطــان يشـــــعّ وطنـنـــــــا   

نعم الرّوس لوطنهم زائرين وضيوف –كبقيّة العالم- في حضرة التّونسيين، يتزيّنون بلباسهم ويطربون لأهازيجهم ويرقصون على ألحانهم التّي أصبحت نشيدا رسميّا لكلّ مكان تطأه أقدام أبناء الوطن فسطعت تونس في روسيا وأشرقت لتشعّ صورتها في كلّ شاشات العالم –لا احتفاء بمردود نسورها- بل انبهارا بأبنائها الذّين لم ترتخ أيديهم ولا أصواتهم لخيبة الأقدام وقادوا حملات ترويجية للسيّاحة التونسيّة فغزت ثقافتهم وتقاليدهم وتُراثهم شوارع البلاد.

شبابُ تونس لم ينتظر أيّ دعم مادي من وزارة السيّاحة أو أيّة جهة مسئولة بل أثّث هذه الحملة التّسويقيّة من حرّ ماله، فوفّر مئات الشّاشيات والأعلام والصور والقطع التذكاريّة هدايا لشعوب العالم حتّى تنفتح عيونهم على جمال وطن ربّما سبق ورُوجّ له بصورة سيئة لعلّ شبابه تمكّن من فسخها ونحت أخرى مغايرة تعكس روح الشّعب التّونسي وثقافته ووعيه، فلئن تجمهرت الجماهير التّونسية بأعداد غفيرة وتواصلت مع بقيّة المشجّعين –بمختلف جنسياتّهم- فإنّهم لم يدخلوا في أيّة خلافات لا بحكم التّنافسيّة بينهم ولا لاختلاف ثقافاتهم بل توحّدت الرّايات واجتمعت في صور تذكاريّة كذّبت كل الصّراعات القائمة على أسس الاختلاف.

... صــــــــــورة مغــايـــــــــــــــرة؟ 

الترويج لتونس كوجهة سياحيّة هي خطوة ذكيّة انتهجتها الجماهير التونسيّة في روسيا لكنّها لم تستهدف الجماهير المتواجدة معهم على نفس الرّقعة فقط، بل تجاوزتها لتضمن رواجها في كلّ العالم عبر استغلال الحضور الاعلامي العالمي لمواكبة فعاليّات هذه المسابقة العالميّة، فلئن أثار بعض المشجّعين – لمنتخبات عدّة- استياء وسخط بعض المذيعين والصحفيين لارتكابهم حركات " لا أخلاقيّة ومسيئة "، فإنّ حركة لأحد الشّباب التّونسيين ألبس شاشيّة لإحدى مراسلات قناة روسيا اليوم لقت رواجا كبيرا على شبكات التّواصل الاجتماعي.

ولعلّ من أجمل الصور صورة لم يتّم التقاطها لا في الصّين ولا في كوكب اليابان، بل لجماهير تونسيّة تنظّف مدارج ملعب فولغوغراد آرينا إثر المباراة التّي جمعت المنتخب الوطني بإنجلترا، ولئن انتهت المواجهة لصالح الخصم فإنّ الخيبة لم تدفعهم للتّخلي عن أداء واجبهم في لقطة بدت غير مألوفة لبعض الشّعوب الذّين تعوّدوا على تلقّي صورة قاتمة عكست وجها حضاريّا مسيئا لتونس والتّونسيين.

هؤلاء التّونسيين الذّين لم يفوّتوا هذه المسابقة العالميّة ليرفعوا علم فلسطين الأبيّة عاليا في الأيادي وفوق الأكتاف ليذّكروا العالم بأنّ للفلسطينيين أشّقاء في رقعة اُخرى من الأرض يرفعون رايتها ويهتفون باسمها وينصرونها وينتصرون لها في كلّ مرّة لحقتها يد الأعداء، لتبقى أمّ القضايا حاضرة في قلب كلّ تونسيّ وفي كلّ محفل دوليّ.

لم نخسر الحرب فعلا حتّى إنّنا لم نخسر معركتنا الأهم، ها النّسور خانتها أجنحتها أمّا جماهيرها فلم تخن الوطن، فهنيئا لوطننا بشباب نحت اسمه في شوارع روسيا فعاد -بعد الخسارة- ولم يخسر، وعاد وصداهُ باقٍ هناك.  

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة