12 Jun
12Jun


نــــورهـــان كــاهـنــــة تكتب: 

ماذا أكون؟ هل عبدا متديّنا أم إنسانا حرّا! هو خيار صعب لا يزالُ يضعُ مُواطني بعض المجتمعات الحديثة في مفترق طرقات خطير فإمّا يمينا نحو نصرة الدّين أو يسارا نحو نصرة حرّياتهم وذلك بالرّغم من التحاق دُولهم بركب المدافعين عن حقوق الإنسان بغضّ النّظر عن ديانته ومعتقده.

ريمة مواطنة جزائريّة يسعى عشراتُ المواطنين في الجزائر العاصمة وقسنطينة إلى إنصافها –عبر تظاهرة رياضيّة- بعد أن خذلتها السلّطات الأمنيّة إثر تعرّضها للعنف من قبل شابّ مجهول أثناء ممارستها رياضة المشي قُبيل موعد الإفطار.

ما يُستغرب في الحادثة ليس فقط كلمات الشاب التّي وجّهها لها "بلاصتك في الكوزينة" وإنما كذلك ردّة فعل بعض روّاد وسائل التّواصل الاجتماعي –من حاملي جنسيّتها كما من نفس جنسها- الذّين أبدوا معاداة كبيرة لها بذريعة حيادها عن القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة واتّباعها لثقافة الغرب الغريبة عن عادات المجتمع الجزائري الذّي يرفضُ –على حدّ تعبيرهم- مثل هذه العادات وإن مارستها ريمة وعلى رأسها حجاب.

… لكنّ ريمة خرقت القانون فعلا !

هذه التظاهرة الفايسبوكيّة المضادّة زاد من حدّتها صمت السّلطات المعنيّة وعدم تعاملها الجدّي مع الحادثة بل –الأتعس من ذلك- أنّها ألقت اللّوم على الفتاة لخروجها وممارسة الرياضة في ذلك الوقت.

وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل أيّ قانون خرقته ريمة بممارستها الرّياضة في الشّارع ! وهو سؤال لا يستعصي علينا حلّه ما دامت بعض وسائل الاعلام –في تناولها للحادثة- عرّفتها على أنّها فتاة وليس على أنهّا مواطنة جزائريّة تعرّضت للعنف على أساس التمييز بين الجنسين وهو ما يتنافى مع المادّة 33 من دستور بلادها والتيّ تقرّ بأنّ "كلّ المواطنين سواسيّة أمام القانون، ولا يمكن أن يُتذرّع بأيّ تمييز يعودُ سببه إلى المولد، أو العرق، أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي".

لكن ريمة خرقت القانون فعلا! قانون مجتمعيّ مُعاد للمرأة ومعتد على حقوقها – في كلّ مرة سنحت الفرصة- في ظلّ اعتقاد سائد مفاده تعارض الحقوق المدنيّة للمرأة مع القيم والتّعاليم الدّينية الإسلاميّة. ذلك القانون المجتمعي ينصّ بالفعل في أحد بنوده على أنّ مكان ريمة "في الكوزينة" وبناءا عليه فإنّها اقترفت جرما بعدم اضطلاعها لقوانين مجتمعها الذّي يعتبرُ أنّ الشارع حكرا على الذّكور وأنّ ريمة في غنى عن التّمارين الرياضيّة فأشغال البيت كافية! وطبقا لهذا القانون وعملا بالقاعدة المتّفق عليها "العصى لمن عصا" فإنّ ما تعرّضت له ريمة من عنف لا يتعارضُ مع دستور المجتمع وقوانينه.

                                                                     حادثة تعنيف ريمة وردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي

ريمة ليست هي المواطنة الأولى أو الوحيدة أو الأخيرة التّي أعاقتها نظرة بعضُ فئات مجتمعها المعادية لها والمنتهكة لحرّيتها والمعتدية عليها –بإعتبارها مرأة- عن ممارسة حقوقها خاصّة في ظلّ تقاعس السّلطات المعنيّة عن تطبيق بعض القوانين على غرار قانون العقوبات الجزائري الذّي دخل حيّز التنفيذ منذ سنتين ويعاقب على العنف ضدّ النّساء ويجرّم مثل هذه التصرّفات والسّلوكيات بإعتبار أنهّا تهدّد حرّية المرأة ومكانتها في المجتمع.

هذا القانون لم يحم ريمة ولم يضع حدّا للتخاذل الأمني في التّعاطي مع مثل هذه الأحداث كما لم يعجّل بالقبض على الشّاب المتّهم ما قد يسهم  في مزيد استشراء ظاهرة العنف عموما –وضدّ المرأة على وجه الخصوص- ما يدفعنا إلى التساؤل عمّا إذا كانت هذه القوانين تعمل على تعزيز حقوق المرأة وحماية حرّيتها فعلا أم أنّها أداة فقط تستخدمها الدّولة خدمة لصورتها وتزيينا لها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة