06 Sep
06Sep


نورهـــان كـاهنـــــة تكتـب:

 في وقت ترتخي فيه سواعد الإرهاب وتنخفض فيه أصوات اطلاق النار للجماعات الارهابيّة في سوريا، يتعالى صوت واشنطن كما حليفتها فرنسا مهدّدة الرئيس السّوري، بشّار الأسد، بضربة تهزّ كيانه وتُركع قوّاته في حال عمدت إلى استخدام أسلحة كيميائيّة في تقدّمها نحو محافظة إدلب في إطار خطّة عسكريّة تُحررّها من عناصر هيئة تحرير الشّام.

لعله السيناريو الأنسب –كالمعتاد- لواشنطن وحلفائها لعرقلة التقدّم العسكري السّوري في سوريّة باعتبار أنّ ذلك سيفقدها شرعيّتها – غير المشروعة-  في التواجد في المنطقة وتوغلّها بها عسكريّا تحت رايتين: الراية الاولى تُحارب عبرها الحكومة السوريّة والسّوريين أمّا الراية الثانية فتحارب من أجلها الحكومة السوريّة والسوريين، فإن انتكست الرّاية الاولى فستنتكس الثانية وستخسر واشنطن منطقة نفوذ خسرت مليارات الدّولارات لضمّها لمناطق هيمنتها، لكنّ انتكاسة سوريّة مستبعدة فلا هي أفغانستان ولا الأسد سيأذن –في حضرة حلفائه- بتحوّلها إلى سورياستان.

يقول الصافي السعيد في كتابه «جيوبوليتيك الدم» : « قادت الولايات المتحدة الامريكية مع حلفائها حروبا كثيرة ضد الارهاب .. لكن النتيجة كانت في كل مرة صفر أرباح لها وصفر خسارة للإرهاب.. فالدولة الأفغانية كسيحة والدولة العراقية عرجاء .. والدولة السورية توشك على السقوط، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد تقويض الجغرافيا السياسية للشرق الاوسط فقد نجحت. أما إذا كانت تريد القضاء على الارهاب والاستبداد فقد فشلت.»

صحّ القول وتغيّر السياق، فالدولة السورية على وشك النهوض من جديد وهو ما لا يخدم بتاتا مصلحة واشنطن التوسعية، ما يدفعها إلى استخدام ورقة التغيير في محاولة جديدة للسيطرة على الميدان، ألا وهي أن تشهر سلاح الانسانية في وجه الأسد قبيل انتصاره المتوقّع في إدلب وأن تفتح عيون العالم على "الانتهاكات" التي يسعى إلى ممارستها ضدّ شعبه بعد أن أحبط سياستها الوحشية في نشر ورم الارهاب في الأراضي السورية ليواصل سلسلة النجاحات الميدانية في استئصال ذلك الورم بدعم روسي إيراني.

لعلّ كلّ تهمة تعقبها إدانة وحملة تشويه أمريكية للأسد السّوري وليس ذلك بغريب، فليس من عادة واشنطن الاستسلام والتراجع عن شهواتها في رسم حدود جغراسياسية جديدة للدول حسبما يخدم نفوذها، كما ليس من عادتها أن تلعب دور المتفرج وترفع قبعتها احتراما لمجهودات عدوّ أفشل مخطّطها: إذ يتغير المكان والتاريخ وتعاد نفس السيناريوهات، فمع انطلاقة الألفية الثالثة انطلقت واشنطن في  "أعمالها الإنسانية"  فغزت أفغانستان في اكتوبر 2001 تحت راية محاربة القاعدة ومكافحة الارهاب ثم توسعت خطتها لتشمل العراق سنة 2003 بمبررات دعمه للقاعدة و امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وفي أفريل 2017 وجهت قواتها ضربات جوية استهدفت مخازن أسلحة الجيش السوري في مطار الشعيرات الدولي لتعلن بذلك اجتياحها الرسمي للأراضي السورية بمبررات مشابهة، ألا وهي امتلاك النظام لأسلحة كيميائية استخدمها في هجوم خان شيخون لتعيد الكرّة ثانية في أفريل الماضي في ضربة جويّة ثلاثيّة انضمّت لها فيها كلّ من بريطانيا وفرنسا ومع ذلك فإنّ السّيناريو ذاته ولم يتغيّر ألا وهو استخدام القوّات السوريّة أسلحة كيميائيّة في هجوم شنّته على مدينة دوما بالغوطة الشرقيّة.

هذه المشاكسات الأمريكيّة للحكومة السوريّة كُشفت وسقط قناع الانسانيّة عن مخربّي الأرض ومموّلي الإرهاب كما معرقلي مفاوضات السّلام وانهالت التّهم على أمريكا فقواتها العسكرية لا تشن –وفق روسيا- أي ضربات ضد المجموعات الارهابية في سوريا، بل تسعى إلى عرقلة العمليات الميدانية التي تخوضها القوات الحكومية حتّى أنّ  الناطق بإسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيجو كوناشينكوف، كان قد أشار في وقت سابق إلى "تحول قاعدة التنف العسكرية إلى ثقب أسود يخرج منه مقاتلي داعش ليشنوا هجماتهم التخريبية ضد القوات السورية والمدنيين"، لتواجه واشنطن تهمة التخريب مجدّدا مع انعقاد مؤتمر سوتشي في جانفي الماضي وتحريضها لممثلي المعارضة لمقاطعته تفاديا للتوصّل إلى أيّة حلول سلميّة من شأنها أن تسير بالصراع نحو الهدوء وبالمنطقة نحو الاستقرار.

لكنّ هذه السيناريوهات الهوليوديّة لم تفقد بريقها بعد خاصّة مع بروز الحليف الفرنسي وتبنيّه ذات التهديدات الأمريكيّة، حيث أكّد قائد القوات المسلحة "فرانسوا لوكـوانتر" في تصريح صحفي، اليوم الخميس، أنّ بلاده على استعداد لتنفيذ ضربات –مع أكبر عدد من الشركاء- معادية لدمشق في حال استخدمت أسلحة كيماوية في إدلب. هذا الشريك هو حتما أمريكا، فقد سبق واستغلّت مجزرة خان شيخون كتأشيرة للنفاذ العسكري إلي سوريا، وهاهي -في ظل فشل مخططها العسكري- تصر على استخدام نفس الورقة –من جهتها الاخرى- لعلها تنجح في النفاذ سياسيا إلى المنطقة والإطاحة بأسد سوريا كما سبق و أطاحت بصدام العراق.

كل المجهودات الأمريكية التي تصبو لإعاقة العمليات العسكرية السورية-الروسية في المنطقة الهدف منها تشويه صورة الاسد وحليفته روسيا –التي لم تسلم بدورها من الاتهامات- التّي تصبو إلى عرقلة مسار التقدّمات العسكريّة ومن ثمّ التسوية السياسية، خاصة وأن هذه التهديدات التي تقودها واشنطن تأتي وسط حديث روسي إيراني تركي عن انفراج قريب للأزمة السورية تهيأ له طهران في قمّة رئاسيّة ثلاثيّة من المنتظر انعقادها غدا الجمعة بالعاصمة الإيرانيّة.

لعلّ واشنطن نجحت في بسط نفوذها على دول عدّة وتغيير جغراسياستها حسب ما يتناسب مع مصلحتها ومطامعها، لكن سوريا -على ما يبدُو- ليست أفغانستان ولا العراق، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل هل أنّ الغلبة هذه المرة  ستكون للدهاء السوري الروسي وهل أنّ البيت الأبيض بدأ يعيش أخيرا على أنقاض الحلم الامريكي في بناء دولة عظمى تمتد حدودها من الشرق إلى الغرب؟

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة