27 Jun
27Jun


نــورهــــان كـاهنـــــة تكتب:

امتطين سيّاراتهن ووضعن أحزمة أمانهنّ مع انطلاقة أولى رحلاتهنّ على درب الحريّة في يوم أحدٍ تاريخيّ عايشتهُ المملكة العربيّة السعوديّة احتفاء برفع حظر القيادة على نساءها، قرار عُتقت على إثره مقاود السيّارات من أيادي أصحاب العمامات فارتفعت مزاميرها كما زغاريدُ سائقاتها من نساء المملكة إعلانا لنُصرتهم على كلّ المناشير القانونيّة والدّينيّة التّي سبق وسلبت من حقوقهم الكثير ليسجلّ التّاريخُ هذا التّاريخ كنقطة عبور من زمن التقييد نحو عصر القيادة.    

رُفع الحصار منتصف ليلة الأحد 24 جوان عن النّساء السّعوديات مع دُخول القرار الملكي القاضي بالسّماح لهنّ بالقيادة في أرجاء المملكة  حيّز التنفيذ، ليُتوّج مسيرة حقوقيّات سعوديّات مناضلات اخترن أن تكسر أصواتهنّ حواجز الصّمت مطالبة بالإطاحة بقانون حظر القيادة عن النّساء. مسيرات الحريّة انطلقت في تسعينيّات القرن الماضي وتأجّجت مع تأجج ثورات الرّبيع العربي وما صاحبها من أمل في التغيير لكنّها شهدت تصدّيات أمنيّة وإيقافات طالت قادتها وتبعتها إقالات من وظائفهنّ كما حملات إيقاف لأزواجهنّ بتهمة "عدم السّيطرة على زوجاتهم"، لتعود هذه الحملات المناهضة لقرار الحظر –غير الدّستوري- للظّهور سنة 2014 ثمّ في مطلع جوان الحالي قُبيل دخول القانون حيّز التنفيذ ليتّم التعامل معها بتعسّف أمنيّ -كما تمّ مع سابقاتها- وهو ما جعل البعض يشكّك في نجاعة الخطوات التّي تسلكها السلّطة الملكيّة نحو تحرير المرأة السعوديّة.   

    تحريـــــر المـــــرأة تحريــــــر للاقتـصـــاد  

هذا القرار سبق وأقرّ به الملك سلمان بن عبد العزيز في سبتمبر الماضي في إطار رؤية اقتصاديّة اصلاحيّة "السعوديّة 2030" تبنّاها نجله وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. ولئن يُعدّ هذا القانون في ظاهره أولى خطوات تحرير المرأة في المملكة لكنّه باطنيّا لا يرتقي لذلك باعتباره خطّة تنتهجها للنموّ بالاقتصاد السّعودي وتحرير سوق الشّغل من العمالة الأجنبيّة، حيثُ يستهدفُ هذا القرار ما يزيدُ عن مليون وخمسمائة سائق أجنبي تُشغّلهم 45% من الأسر وفق تقرير حديث للهيئة العامّة للإحصاء بالسّعوديّة.

هذا التدّفق العمّالي الأجنبي يكلّف السعوديّة تحويلات ماليّة ضخمة نحو الخارج، فلئن تعتبرُ هذه المهنة –أي السّائق الخاصّ- طموح أغلب العملة الأجانب نظرا لارتفاع رواتبها وتعدّد امتيازاتها فإنّها أثقلت كاهل ربّ الأسرة السّعودي كما خزينته فلعلّه استبشر خيرا مع منتصف ليلة الأحد التّاريخي، حيثُ نقلت صحيفة الريّاض عن بعض خبراء الاقتصاد أنّ الأسر تفرّط بما يزيدُ عن 16 مليار ريال سنويّا لفائدة السّائقين أي ما يُعادل 25% من دخلها السّنوي، وبالتّالي فإنّه بمجرد تطبيق قانون رفع الحظر عن القيادة وتسريح عدد هامّ من السّائقين الأجانب ستتمكن المملكة من توفير هذا المبلغ الذّي قد تستغلّهُ في استثمارات داخليّة في قطاعات مختلفة خاصّة وأنّ تمكين النّساء من القيادة سيعزّز فرص التحاقهم بالعمل.

 إنّ تعزيز حضور المرأة في سوق الشّغل، يزيدُ من مسؤوليّة المملكة في خلق مواطن وفرص شغل إضافيّة، وهو ما شرعت فيه فعلا منذ تبنّت وزارة عملها وتنميتها الاجتماعيّة في جانفي الفارط قرارا يمنع  العملة الأجانب من الالتحاق باثني عشر نشاط تجاريّ في إطار خطّة اقتصاديّة تهدفُ إلى " توطين فرص العمل وسعودة الاقتصاد السّعودي" بما يتوافق ويتماشى مع أهداف "رؤية  2030".


انتبـــــــــــه .. مُنعــــرج خطيـــــر !!

لعلّ موجة الاعتقالات والتخوين الأخيرة التّي طالت مجموعة حقوقييّن سعوديّين من بينهم النّاشطات لجين الهذلول وعائشة المانع وعزيزة اليوسف وإيمان النّفجان اللاّتي كنّ أبرز المدافعات عن حقّ المرأة في القيادة بتعلّة استباقهم تفعيل القرار الملكي القاضي برفع الحظر عن القيادة هي الدّليل القاطع على تجاهل صنّاع القرار السيّاسي السّعودي لقضايا تحرير المرأة التّي تشهدُ خلافات كبيرة بين أئمّة المملكة ومشايخها بين محلّل ومحرّم وفق تفسيراتهم وتأويلاتهم الشخصيّة لما جاء في الدّستور الأعلى للمملكة، أي القرآن الكريم الذّين ناهضوا هذا القرار الملكي واعتبروه مسّا بطبيعة المجتمع السعودي وأخلاقه وترسيخا للانحلال الاخلاقي للمرأة.

إنّ ترسيخ فكرة تعارض حقّ المرأة في القيادة مع التعاليم الدّينيّة الاسلاميّة من شأنها أن تضع النّساء السّعوديات محلّ استهداف أو اعتداءات من قبل أنصار هذه الفكرة أو بعض المتشدّدين وهو ما سيسير بالوضع المجتمعي إلى مُنعرج خطير قد يعودُ بالمرأة السعوديّة خُطوات إلى الوراء بعد أولى خطواتها إلى الأمام.  

على النّساء السعوديّات أن يُدركن جيدّا أنّ معركة التحرّر لا تنتهي لصالحهّن بمجردّ انتقالهنّ من الكرسيّ الخلفيّ للسيّارة إلى محورها وأنّ بلوغها يتطلّب ثروة ثقافيّة للمملكة تُعادل ثروتها النفطية.  

 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة